فلسفة القرع ! قصة قصيرة

**مازن دحلان** الثلاثاء أبريل 26, 2011 3:59 pm

استيقظ جمال من نومه على صوت زوجته "جمال...قم الفطار جاهز...يلا منشان تلحق السوق" ،"يلا...يلا هيني قايم" رد جمال وهو يتململ على سريره يحاول تنشيط أعضاءه من نوم عميق،قام من السرير،دخل الحمام واغتسل،خرج وجلس على طاولة الطعام،الأسرة مجتمعة على المائدة في يوم الإجازة، "بعد الفطار يا بابا جهز حالك تتنزل معي على السوق" قال جمال لولده الأكبر محمد،"شو راح تجيب إلنا يا بابا" قال الابن الأوسط حسام،"ايش بدكو يا بابا؟" رد جمال،"بدنا تين وعنب" قالت الابنة الصغرى شذا،"لا بدنا خوخ وبرقوق" قال محمد،"شو رأيك يا بابا لو تجيب إلنا تين وبرقوق وخوخ وعنب ومانجا بس" قالها حسام بخفة ظل وهو يبتسم لأبيه منتظراً الرد،"الله يسهل...خلصت يا محمد؟"،محمد"أيوة هيني قايم ألبس"، خرج الاثنان من المنزل،وتوجها إلى الشارع المقابل لركوب سيارة أجرة،السيارات ممتلئة،فأزمة الوقت الخانقة جعلت قرابة نصف سيارات الأجرة خارج نطاق الخدمة!وما جنا جمال ومحمد إلا استنشاق غازات كريه من عوادم سيارات تعمل على زيت الطعام،روائح تصيبك بالغثيان والمرض والاشمئزاز،وتجعلك تكره كل ما هو سائل أصفر اللون!،أيقن جمال بعد فترة ليست بالقليلة أن لا مجال لإيجاد سيارة تحمله وولده إلى السوق فآثر السير مع تحفظ محمد الذي يعشق ركوب السيارات،وصل الاثنان إلى السوق بسلامة بعد أن جردتهم حرقة الشمس من جميع سوائل الجسم!،"بابا...اشتري لي خروب متت من العطش"، قال محمد مستجدياً والده،ذهب الاثنان وشربا الخروب البارد في أقل من ثانية من شدة العطش والحر الشديد في يوم من أيام شهر تموز الذي لا يعرف شفقة،نظر جمال حوله فأمتعه النظر إلى الخضروات الطازجة والفواكه الفواحة بألوانها الشهية وروائحها الشجية،"بكم البندورة؟" سأل جمال البائع،"الكيلو بخمس شواقل" رد البائع وتابع صياحه"يلا البندورة...يلا البندورة"، دهش جمال فالعائلة الكريمة تستهلك في الأسبوع ست كيلوات من البندورة أي ما يعادل 30 شيقلاً،طأطأ رأسه وذهب إلى بائع آخر "بكم الخيار بالله؟" رد البائع "الكيلو بأربع شواقل"،ذهل من جديد وتابع طريقه وهو يحدث نفسه "لا خيار ولا سلطة شو يعني بدنا نموت من غير سلطة!"، تابع طريقه بين الباعة ،وكلما رأي نوع من الخضرة أراد شراءه ذهل من السعر الباهظ ،أما الفواكه حدث ولا حرج! أثمانها خيالية مقياسا بموظف له ست أبناء ،أخذته الحيرة، فإذا أراد التبضع للأسبوع كان الراتب في خبر كان ، وإذا ذهب إلى البيت خالي الوفاض قامت عليه ثورة الجوع ، يلتفت ويسمع الأسعار ،يخنقه الحر وتقتله الظروف، وولده بجواره لا يعلم ماذا أصاب والده ،ينظر له جمال في شفقة وهو يقول"معليش يا بابا أتحملني شوي"، عندها سمع صوت عن يمينه ينادي" يلا يا أبو العيال القرع اليوم 6 كيلو بعشرة شيقل" لم يصدق جمال ما سمعه،ذهب مسرعاً إلى البائع وتأكد من الخبر السار،ما تزال هناك ثمرة لم تطلها مطرقة الغلاء وسنديان الحصار،"حطلك بعشرين شيقل" قالها جمال للبائع وتعلو وجه ابتسامة عريضة ،نظر إلى ولده محمد وهو يقول "خلص يا بابا فرجت"،ظهرت نظرة استفهام على وجه محمد تختلط بها تعابير الاندهاش، رجع جمال ومحمد إلى البيت حاملين أكياس من القرع،استقبله أبناءه استقبال الفاتحين،ولِمَ لا وأبوهم محمل بأكياس مليئة بخيرات الله!نادى جمال على زوجته"يا أم محمد...تعالى"،"هيني جاية ...الله يعيطك العافية" ردت أم محمد وهي متجهة نحو جمال،قالت وهي تنشف يداها من ماء غسيل الأطباق " شو جبت؟"،"جبت الخير كله...اليوم بدنا نطبخ ونحلي ونتسلى!"،ردت أم محمد والحيرة تغزو ملامحها" ما شاء الله كل هادي أكياس؟!"،فتح جمال الكيس الأول وهو يقول لزوجته"شو هادا؟"،ردت الزوجة بعفوية مطلقة"قرع!"،ضحك جمال وقال"صحيح"،ثم فتح الكيس الثاني وهو يقول"وشو هادا؟"ردت الزوجة مع بداية صدمة تلوح في عقلها"قرع!!"،قال جمال بهدوء شديد"الله ينور عليكي...وشو هادا علشان التأكيد" ثم فتح الكيس الثالث،نظرت الزوجة وقالت وهي تكاد ألا تصدق ما ترى،"قرع!!!..شو ما في شي في السوق غير القرع؟!"،رد جمال بأسى "الظاهر أن البلد كلها ما ضل فيها غير القرع...لما كل شي يصير أغلى من البني ادم ما بيضل غير القرع...ولما الرحمة تنتزع من قلوب الناس...ما بيضل غير القرع...ولما نتوه زي الخفافيش فاقدين البصيرة...ما بنشوف إلا بالقرع...احمدي الله أن ضايل فينا عقل يعرف أن هادا قرع"،ردت الزوجة والإحباط يملؤها وفلول الاكتئاب تغزو قلبها"وكيف بدنا نطبخ ونحلي ونتسلى؟!!" رد جمال بحماسة"أيوة هادا الكلام السليم...اطبخي يخنه قرع وسوي حلاوة قرعية وبزر القرع حمصيه!" ،ابتسمت الزوجة بسخرية وهي تقول"ويعني بدنا نقضيها قرع؟! طب دير بالك أنا خايفة عليك أنت كمان تقرع!" فكر جمال بره ثم رد عليها بمنطقية القرع " يا ستي خير وبركة بلكي خدت منصب قرعاوي!".

تمت بحمد الله